كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مواقع النجوم تعني هندسة الكون.
نشأة الحياة الإنسانية.. وهي سر الأسرار.
نشأة الحياة النباتية.. وهي كالحياة الحيوانية معجزة المعجزات.
والماء.. أصل الحياة.
والنار.. المعجزة التي صنعت الحضارة الإنسانية.
هذه الطريقة في تناول الأشياء، وبناء العقيدة والتفكير، ليست طريقة البشر. فالبشر حين يخوضون في هذه المجالات لا يلتفتون إلى هذه المواد الأولية التي هي بذاتها المواد الكونية. وإذا التفتوا إليها لم يتناولوها بهذا اليسر وبهذه البساطة. بل يحاولون وضع المسألة في قالب فلسفي تجريدي معقد، لا يصلح إلا لخطاب طبقة خاصة من الناس!
أما الله فطريقته هي هذه.. تناول المواد الأولية التي هي بذاتها المواد الكونية. وبناء العقيدة بها في يسر وسهولة. تماما كما يصنع-سبحانه- في تناول المواد الأولية التي هي مواد كونية ويصنع منها الكون..
هذا من ذاك. وعلامة الصنعة واحدة، واضحة هنا وهناك!
الدرس الثاني: 57- 62 خلق الناس دليل على البعث والله الخالق.
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون}..
إن هذا الأمر أمر النشأة الأولى ونهايتها. أمر الخلق وأمر الموت. إنه أمر منظور ومألوف وواقع في حياة الناس. فكيف لا يصدقون أن الله خلقهم؟ إن ضغط هذه الحقيقة على الفطرة أضخم وأثقل من أن يقف له الكيان البشري أو يجادل فيه:{نحن خلقناكم فلولا تصدقون}.. {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}؟
إن دور البشر في أمر هذا الخلق لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني رحم امرأة. ثم ينقطع عمله وعملها. وتأخذ يد القدرة في العمل وحدها في هذا الماء المهين. تعمل وحدها في خلقه وتنميته، وبناء هيكله، ونفخ الروح فيه. ومنذ اللحظة الأولى وفي كل لحظة تالية تتم المعجزة، وتقع الخارقة التي لا يصنعها إلا الله. والتي لا يدري البشر كنهها وطبيعتها؛ كما لا يعرفون كيف تقع. بله أن يشاركوا فيها!
وهذا القدر من التأمل يدركه كل إنسان. وهذا يكفي لتقدير هذه المعجزة والتأثر بها. ولكن قصة هذه الخلية الواحدة منذ أن تمنى، إلى أن تصير خلقا، قصة أغرب من الخيال. قصة لا يصدقها العقل لولا أنها تقع فعلا، ويشهد وقوعها كل إنسان!
هذه الخلية الواحدة تبدأ في الانقسام والتكاثر، فإذا هي بعد فترة ملايين الملايين من الخلايا. كل مجموعة من هذه الخلايا الجديدة ذات خصائص تختلف عن خصائص المجموعات الأخرى؛ لأنها مكلفة أن تنشيء جانبا خاصا من المخلوق البشري! فهذه خلايا عظام. وهذه خلايا عضلات. وهذه خلايا جلد. وهذه خلايا أعصاب.. ثم.. هذه خلايا لعمل عين. وهذه خلايا لعمل لسان. وهذه خلايا لعمل إذن. وهذه خلايا لعمل غدد.. وهي أكثر تخصصا من المجموعات السابقة.. وكل منها تعرف مكان عملها، فلا تخطئ خلايا العين: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)}.
مثلا، فتطلع في البطن أو في القدم. مع أنها لو أخذت أخذا صناعيا فزرعت في البطن مثلا صنعت هنالك عينا! ولكنها هي بإلهامها لا تخطئ فتذهب إلى البطن لصنع عين هناك! ولا تذهب خلايا الأذن إلى القدم لتصنع أذنا هناك!.. إنها كلها تعمل وتنشيء هذا الكيان البشري في أحسن تقويم تحت عين الخالق، حيث لا عمل للإنسان في هذا المجال.
هذه هي البداية. أما النهاية فلا تقل عنها إعجازا ولا غرابة. وإن كانت مثلها من مشاهدات البشر المألوفة:
{نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين}..
هذا الموت الذي ينتهي إليه كل حي.. ما هو؟ وكيف يقع؟ وأي سلطان له لا يقاوم؟
إنه قدر الله.. ومن ثم لا يفلت منه أحد، ولا يسبقه فيفوته أحد.. وهو حلقة في سلسلة النشأة التي لابد أن تتكامل..
{على أن نبدل أمثالكم}.. لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم. والله الذي قدر الموت هو الذي قدر الحياة. قدر الموت على أن ينشئ أمثال من يموتون، حتى يأتي الأجل المضروب لهذه الحياة الدنيا.. فإذا انتهت عند الأجل الذي سماه كانت النشأة الأخرى:
{وننشئكم فيما لا تعلمون}..
في ذلك العالم المغيب المجهول، الذي لا يدري عنه البشر إلا ما يخبرهم به الله. وعندئذ تبلغ النشأة تمامها، وتصل القافلة إلى مقرها.
هذه هي النشأة الآخرة.. {ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون}!.. فهي قريب من قريب. وليس فيها من غريب.
بهذه البساطة وبهذه السهولة يعرض القرآن قصة النشأة الأولى والنشأة الآخرة. وبهذه البساطة وهذه السهولة يقف الفطرة أمام المنطق الذي تعرفه، ولا تملك أن تجادل فيه. لأنه مأخوذ من بديهياتها هي، ومن مشاهدات البشر في حياتهم القريبة. بلا تعقيد. ولا تجريد. ولا فلسفة تكد الأذهان، ولا تبلغ إلى الوجدان..
إنها طريقة الله. مبدع الكون، وخالق الإنسان، ومنزل القرآن...
الدرس الثالث: 63- 67 ما يزرعونه ويأكلونه فهو من الله لا منهم.
ومرة أخرى في بساطة ويسر يأخذ بقلوبهم إلى أمر مألوف لهم، مكرر في مشاهداتهم، ليريهم يد الله فيه؛ ويطلعهم على المعجزة التي تقع بين أيديهم، وعلى مرأى من عيونهم، وهم عنها غافلون: {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون}..
هذا الزرع الذي ينبت بين أيديهم وينمو ويؤتي ثماره. ما دورهم فيه؟ إنهم يحرثون ويلقون الحب والبذور التي صنعها الله. ثم ينتهي دورهم وتأخذ يد القدرة في عملها المعجز الخارق العجيب.
تأخذ الحبة أو البذرة طريقها لإعادة نوعها. تبدؤه وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق!
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72)}.
الذي لا يخطيء مرة كما يخطيء الإنسان في عمله، ولا ينحرف عن طريقه، ولا يضل الهدف المرسوم! إن يد القدرة هي التي تتولى خطاها على طول الطريق.. في الرحلة العجيبة. الرحلة التي ما كان العقل ليصدقها، وما كان الخيال ليتصورها، لولا أنها حدثت وتحدث ويراها كل إنسان في صورة من الصور، ونوع من الأنواع.. وإلا فأي عقل كان يصدق، وأي خيال كان يتصور أن حبة القمح مثلا يكمن فيها هذا العود وهذا الورق، وهذه السنبلة، وهذا الحب الكثير؟! أو أن النواة تكمن فيها نخلة كاملة سامقة بكل ما تحتويه؟!
أي عقل كان يمكن أن يتطاول به الخيال إلى تصور هذه العجيبة. لولا أنه يراها تقع بين يديه صباح مساء؟ ولولا أن هذه القصة تتكرر على مرأى ومسمع من جميع الناس؟ وأي إنسان يمكنه أن يدعي أنه صنع شيئا في هذه العجيبة سوى الحرث وإلقاء البذور التي صنعها الله؟
ثم يقول الناس: زرعنا!! وهم لم يتجاوزوا الحرث وإلقاء البذور. أما القصة العجيبة التي تمثلها كل حبة وكل بذرة. وأما الخارقة التي تنبت من قلبها وتنمو وترتفع فكلها من صنع الخالق الزارع. ولو شاء لم تبدأ رحلتها. ولو شاء لم تتم قصتها. ولو شاء لجعلها حطاما قبل أن تؤتي ثمارها. وهي بمشيئته تقطع رحلتها من البدء إلى الختام!
ولو وقع هذا لظل الناس يلونون الحديث وينوعونه يقولون: {إنا لمغرمون}: غارمون {بل نحن محرومون}.. ولكن فضل الله يمنحهم الثمر، ويسمح للنبتة أن تتم دورتها، وتكمل رحلتها، وهي ذاتها الرحلة التي تقوم بها الخلية التي تمنى.. وهي صورة من صور الحياة التي تنشئها القدرة وترعاها.
فماذا في النشأة الأخرى من غرابة. وهذه هي النشأة الأولى؟
الدرس الرابع: 68- 70 الماء بيد الله لا بيد الناس {أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون}!
وهذا الماء أصل الحياة، وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله. ما دور الإنسان فيه؟ دوره أنه يشربه. أما الذي أنشأه من عناصره، وأما الذي أنزله من سحائبه، فهو الله سبحانه. وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان {لو نشاء جعلناه أجاجا}. مالحا لا يستساغ، ولا ينشئ حياة. فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان؟
والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب، في صورته المباشرة، مادة حياتهم، وموضع احتفالهم، والحديث الذي يهز نفوسهم، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم.. ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري، بل لعلها تضاعفت. والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم. فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء.
الدرس الخامس: 71- 73 الله ينشئ الأشجار والثمار {أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين}..
ولقد كان كشف الإنسان للنار حادثا عظيما في حياته. ربما كان أعظم حادث بدأت منه حضارته. ولكنها أصبحت أمرا مألوفا لا يثير الاهتمام.. والإنسان يوري النار: أي يوقدها. ولكن من الذي أنشأ وقودها؟ من الذي أنشأ الشجر الذي توقد به النار؟ لقد مر حديث الزرع. والشجر من هذا الزرع.. على أن هناك لفتة أخرى في ذكر(شجرتها). فمن احتكاك فرع من شجرة بفرع آخر من شجرة أخرى كان العرب يوقدون.
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)}.
نارهم. على الطريقة البدائية التي لا تزال مستعملة في البيئات البدائية حتى الآن. فالأمر أظهر وأقرب إلى تجاربهم المعروفة. أما معجزة النار وسرها عند العلماء الباحثين فهو مجال للبحث والنظر والاهتمام. وبمناسبة ذكر النار يلمع السياق إلى نار الآخرة: {نحن جعلناها تذكرة} تذكر بالنار الأخرى.. كما جعلناها {متاعا للمقوين}.. أي للمسافرين. وكان لهذه الإشارة وقعها العميق في نفوس المخاطبين، لما تمثله في واقع حياتهم من مدلول حي حاضر في تجاربهم وواقعهم.
الدرس السادس: 74 تسبيح الله العظيم المنعم:
وحين يبلغ السياق إلى هذا الحد من عرض هذه الحقائق والأسرار، الناطقة بدلائل الإيمان. الميسرة للقلوب والأذهان. يلتفت إلى الحقيقة التي تنتهي إليها هذه الحقائق. حقيقة وجود الله وعظمته وربوبيته. وهي حقيقة تواجه الفطرة مواجهة ذات قوة وسلطان. فيهيب بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يحيي هذه الحقيقة ويؤدي حقها؛ ويلمس القلوب بها في حينها:
{فسبح باسم ربك العظيم}..
الدرس السابع: 75- 80 القسم بمواقع النجوم على مصدر القرآن العظيم:
ثم يلتفت التفاتة أخرى إلى المكذبين بهذا القرآن؛ فيربط بينه وبين هذا الكون في قسم عظيم من رب العالمين:
{فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين}..